شرح قصيدة فتح الفتوح لـ أبي تمّام محور الحماسة السنة الرابعة آداب – شرح نص فتح الفتوح 4 ثانوي باكالوريا
آداب تعليم تونس منهجية شرح نص تحليل تقديم شرح المقاطع شعر الحماسة شرح نصوص رابعة ثانوي باكالوريا
منهجية تلحليل النص الادبي تحليل نصوص 4 ثانوي باكالوريا منهجية تحليل نصوص الادبية رابعة ثانوي
بكالوريا آداب – شرح قصيدة فتح الفتوح – لـ أبي تمّام – محور الحماسة في الشعر العربي
شرح قصيدة فتح الفتوح
التقديم:
قصيدة فتح الفتوح وردت بديوان أبي تمام وهو أحد شعراء المشرق العربي
في القرن الثالث الهجري وهو أبرز صوت شعري أحيا قيم الجماسة في
الشعر العربي القديم وطورها بأن أخرجها مخرجا جماليا متميزا وقد قيلت
هذه القصيدة في مقام مخصوص هو مقام إقدام الخليفة العباسي المعتصم
على فتح عمورية وثأر من ملكها ( تيوفيل ) الذي كان له أن تجرأ على غزو
زبطرة المدينة الإسلامية التي ولد فيها المعتصم ونشأ .. فعاث فيها تيوفيل
فسادا وقتلا وتدميرا وأسرا وتهجيرا وقد استشار المعتصم بعض المنجمين
المحيطين به غير أنهم دعوه إلى التريث وتأجيل فتح عمورية لأن النجوم لا
تنذر بالخير لحظة الاستشارة الأمر الذي دفع بالخليفة العباسي إلى تجاهل
نصحهم والإقدام على مهاجمة بلاد الروم وهذا ما أشاد به أبو تمام وأثنى
عليه معتبرا السيف في معناه الرمزي هو يرمز للشجاعة والقوة والإقدام
ومواجهة هو المخلص لرد اعتبار الأمة الإسلامية
الموضوع:
يشيد أبو تمام ببطولة “المعتصم” متتبعا أثار حربه في عمو رية متغنيا
بمعاني البطولة والقوة وحسن الأداء و الثأر للأمة الإسلامية من البزنطيين
المقاطع:
تقسيم القصيدة على ثلاثة مقاطع
يمتد المقطع 1 من البيت الاول إلى البيت الخامس وفيه يمجد أبو تمام
فضل القوة مقابل الاستخفاف بالتنجيم. أما المقطع 2 يمتد من البيت 6
إلى البيت 17 ففيه ينادي الشاعر على المجاز يوم الواقعة مظهرا تفرد
المعتصم “بفتح عمورية” يستغرق المقطع بقية أبيات القصيدة وفيه يتوجه
الشاعر بالنداء إلى “الخليفة العباسي” المعتصم مظهرا حسن أدائه العسكري
بتتبع آثاره على مدينة عمورية
الفهم والتحليل
1- في النص عدة حقول معجمية : منها ما يتصل بالتنجيم ومنها ما يتصل بالحرب والقتال ومنها ما يتصل بالعقيدة الإسلامية. استخرجها ثم اعتمدها في صوغ موضوع النص.
الحقل المعجمي المتصل بالتنجيم والعرافة
هذا الحقل يُستخدم في القصيدة للتقليل من شأن التنجيم والتنبؤات، وإبراز تفوق الفعل العسكري الواقعي:
- الكتب، الصحائف، السبعة الشهب، النظم، النثر، الفال، التنجيم
- مثال: “السيف أصدق أنباء من الكتب” و”لا سود الصحائف في متونهن جلاء الشك والريب”
دلالة: الشاعر يرفض الاعتماد على التنجيم والعرافة، ويؤمن بأن الحقيقة تُصنع بالسيف لا بالكلمات.
الحقل المعجمي المتصل بالحرب والقتال
هذا الحقل هو الأكثر كثافة، ويعكس مشهد المعركة، البطولة، والدماء:
- السيف، الصفائح، الأرماح، الخميسين، الفتح، الدم، الذوائب، الساحات، الخراب، الضوء، الدخان، الظلمة، الضجيج
- مثال: “بسُنَّةِ السيفِ والحِنَّاءُ من دمه” و”أجبتَهُ مُعلِنًا بالسيفِ مُنصَلِنًا”
دلالة: الحرب هنا ليست مجرد قتال، بل فعل أخلاقي وتاريخي يُعيد التوازن ويُحقق العدالة.
الحقل المعجمي المتصل بالعقيدة الإسلامية
هذا الحقل يُبرز البعد الديني للفتح، ويُصور المعتصم كمنتصر باسم الله:
- أمير المؤمنين، الإسلام، المشركين، دار الشرك، الله، منتقم لله، مرتقب في الله، سنة الدين
- مثال: “تدبير معتصم بالله منتقم لله مرتقب في الله مرتغب”
دلالة: الفتح ليس مجرد نصر سياسي، بل هو انتصار للعقيدة، وردّ على الظلم باسم الإسلام.
صياغة موضوع النص بناءً على الحقول المعجمية
موضوع النص:
تُصوّر قصيدة “فتح الفتوح” لأبي تمام حدث فتح عمورية بوصفه انتصارًا مركّبًا يجمع بين البطولة العسكرية، والردّ على التنجيم والعجز، وتحقيق العدالة باسم العقيدة الإسلامية. من خلال الحقول المعجمية المتعددة، يُبرز الشاعر تفوق الفعل على القول، والسيف على الصحائف، ويُقدّم المعتصم كرمز للقيادة الإلهية التي تُعيد التوازن للعالم، في مشهد شعري يمزج بين الحماسة، الفلسفة، والدين.
2- يمكن تقسيم النص إلى ثلاثة مقاطع رئيسية : بين الحدود وعلل التقسيم.
التقسيم
المقطع | الأبيات | الحقول المعجمية | الوظيفة |
الأول | 1–5 | التنجيم والفعل | تمهيد فلسفي |
الثاني | 6–21 | الحرب والدمار | تصوير المعركة |
الثالث | 22–27 | العقيدة والقيادة | تمجيد المعتصم وربط النصر بالإيمان |
المقطع الأول: من البيت 1 إلى البيت 5
الحدود: من “السيف أصدق أنباء من الكتب” إلى “وتبرز الأرض في أثوابها القشب”
السمات:
- هي مقطوعة تمهيدية فلسفية.
- يطرح فيها أبو تمام موقفًا نقديًا من التنجيم والقول النظري، ويُعلي من شأن الفعل العسكري.
- الحقول المعجمية: التنجيم، التنظير، السيف، الحقيقة.
العلّة في التقسيم: هذا المقطع يُشكّل مدخلًا تأمليًا، يضع الأساس الفلسفي للقصيدة، ويُمهّد للحديث عن الحدث التاريخي.
المقطع الثاني: من البيت 6 إلى البيت 21
الحدود: من “يا يوم وقعة عمورية” إلى “والشمس واجبة من ذا ولم تجب”
السمات:
- وصف تفصيلي لمعركة عمورية، وما خلّفته من أثر نفسي ومادي.
- صور شعرية حسيّة: النار، الدخان، الخراب، الدم.
- الحقول المعجمية: الحرب، البطولة، الخراب، الظلمة، النصر.
العلّة في التقسيم: هذا هو قلب القصيدة، حيث ينتقل الشاعر من التنظير إلى تصوير الحدث، ويُجسّد المعركة بوصفها لحظة فاصلة.
المقطع الثالث: من البيت 22 إلى البيت 27
الحدود: من “لو يعلم الكفر كم من أعصر كمنت” إلى “ولو أجبت بغير السيف لم تُجب”
السمات:
- تمجيد للمعتصم بوصفه قائدًا منتصرًا باسم العقيدة.
- يُبرز البعد الديني والسياسي للفتح.
- الحقول المعجمية: العقيدة الإسلامية، القيادة، الردّ الإلهي، السيف كأداة للعدل.
العلّة في التقسيم: هذا المقطع يُشكّل خاتمة تأكيدية، يُعيد فيها الشاعر ربط الحدث بالقدر الإلهي، ويُبرز أن النصر لم يكن عبثًا بل استجابة لنداء العقيدة.
3 – رد الشاعر على المنجمين ردًا صارما جازما ما محتوى هذا الرد ؟ وما الأساليب التي اعتمدها في ذلك؟
محتوى الرد على المنجمين
- نفي صدق التنجيم: الشاعر يُعلن أن السيف أصدق من الكتب، أي أن الفعل الواقعي في ساحة القتال أصدق من التنبؤات النظرية.
- إدانة العجز والتأجيل: يُلمّح إلى أن المنجمين يبررون التخاذل، بينما المعتصم اختار الحسم.
- إعلاء الفعل على القول: يضع الفعل العسكري في مواجهة التنظير، ويُظهر أن النصر لا يُصنع بالكلمات بل بالدماء.
- ربط النصر بالقدر الإلهي لا بالتنجيم: يُبرز أن ما حدث هو تدبير إلهي، لا نتيجة حسابات فلكية.
أبرز بيت في الرد: “السيف أصدق أنباء من الكتبِ *** في حدّه الحدّ بين الجدّ واللعبِ”
الأساليب التي اعتمدها الشاعر
1. الأسلوب الحجاجي القاطع
- استخدم جملًا تقريرية قوية لا تحتمل التأويل، مثل: “السيف أصدق أنباء من الكتب”.
- قدّم المقارنة بين “بيض الصفائح” و”سود الصحائف” لتأكيد تفوق الفعل على التنظير.
2. المفارقة البلاغية
- المفارقة بين “السبعة الشهب” (رمز التنجيم) و”شهب الأرماح” (رمز الحرب)، تُظهر أن النور الحقيقي في المعركة لا في السماء.
3. التقابل الدلالي
- بين الجدّ واللعب، بين النظم والنثر، بين السيف والكتب، بين الفعل والقول.
- هذه الثنائيات تُعزز الحقل المعجمي المناهض للتنجيم.
4. الرمزية
- جعل السيف رمزًا للحقيقة، والكتب رمزًا للشك، في قلبٍ دلالي يُعيد تعريف مصادر المعرفة.
5. الإيقاع الحماسي
- اعتمد على بحر البسيط، الذي يُناسب الحماسة والجدل، ويُعطي للرد طابعًا خطابيًا صارمًا.
خلاصة
ردّ أبو تمام على المنجمين ردًا صارمًا يقوم على نفي سلطتهم المعرفية، وتأكيد أن الحقيقة تُصنع في الميدان لا في السماء. بأسلوب حجاجي بلاغي، وبمفارقات رمزية، يُعيد الشاعر تعريف البطولة والمعرفة، ويُقدّم المعتصم بوصفه بطلًا لا يُصغي للتنجيم، بل يُجيب بالسيف، لا بالكلام.
4- ما الوقائع التاريخية التي أوردها الشاعر في المقطع المحدود بالبيت السابع والبيت السادس عشر ؟ و كيف ساهمت الأساليب الفنية المعتمدة في صياغة كل منها ؟
الوقائع التاريخية: في البيت السابع، يشير أبو تمام إلى انتصار المسلمين بقيادة المعتصم ورفعة الإسلام مقابل سقوط المشركين ودار الشرك (عمورية). في البيت السادس عشر، يُصوّر مشهد اقتحام المدينة وسقوط فرسانها، حيث اختلطت دماء المدافعين بالرايات داخل الأسوار.
الأساليب الفنية:
- التقابل الدلالي: بين “صَعَد” و”صبب” يُجسّد رفعة الإسلام وانحدار الشرك.
- الصورة الحسية: “قاني الذوائب من أني دم سرب” تُجسّد شراسة القتال ودموية المشهد.
- الرمزية: المدينة رمز للشرك، وسقوطها رمز لانتصار العقيدة.
- الإيقاع الحماسي: يعزز نبرة النصر ويُضفي طابعًا ملحميًا على الوقائع.
بهذه الأساليب، حوّل الشاعر الحدث التاريخي إلى مشهد رمزي يُجسّد انتصار الحق على الباطل.
5- شبه الشاعر عمورية في البيتين التاسع والعاشر بالمرأة البكر . تتبع بقية عناصر التشبيه وبين سبب لجوئه إلى هذه الصورة .
عناصر التشبيه:
- المشبّه: مدينة عمورية
- المشبّه به: المرأة البكر
- وجه الشبه: المنعة والعفّة والاستعصاء على الفتح
- الصفة المضافة: “وبرزة الوجه” و”فما افتَرعتها كف حادثة” توحيان بالتحصين والامتناع
- النتيجة: لم تُفتح من قبل، ولم يجرؤ عليها أحد حتى المعتصم
سبب اللجوء إلى الصورة:
لأن تشبيه المدينة بالبكر يُضفي عليها هالة من القداسة والمنعة، ويُعظّم من شأن الفتح، فيُظهر المعتصم كالفارس الذي نال ما استعصى على الملوك، مما يُحوّل الفتح من مجرد نصر عسكري إلى إنجاز رمزي أخلاقي وتاريخي.
6 – وازن أبو تمام في واقعة فتح عمورية بين المعتصم وبقية القواد والملوك استخلص من هذه الموازنة الفوارق بين الطرفين.
الفوارق المستخلصة من الموازنة:
الجانب | المعتصم | بقية القواد والملوك |
الاستجابة للحدث | لبّى نداء الاستغاثة فورًا | ترددوا أو تجاهلوا نداءات مشابهة |
وسيلة الردّ | السيف والحرب الحاسمة | الكلام، التنجيم، أو التفاوض |
النتائج المحققة | فتح عمورية، رفع راية الإسلام | عجز عن فتحها أو التصدي لعدوان البيزنطيين |
القدرة على الإنجاز | اقتحم مدينة استعصت على الملوك | لم يجرؤ أحد على فتحها قبله |
الشرعية الدينية | منتقم لله، مرتقب في الله | لا يُذكر لهم ارتباط بالعقيدة أو الدفاع عنها |
الرمزية البطولية | فارس الفتح، كاسر الحصون | ملوك عاجزون أمام “بكر” لم تُفتَح |
️ الأساليب الفنية التي ساهمت في إبراز هذه الفوارق:
- التقابل الدلالي: بين “السيف” و”الكتب”، بين “الفتح” و”العجز”، بين “الردّ” و”الصمت”.
- الرمزية: عمورية كـ”بكر” استعصت على الجميع، حتى جاء المعتصم.
- التكرار والتوكيد: تكرار صور النصر والدم والفتح يُعزز تفوق المعتصم.
- الصور الحسية: وصف المدينة، الدماء، الخراب، يُجسّد الفعل لا القول.
- الإيقاع الحماسي: يُضفي على المعتصم طابعًا ملحميًا، ويُقلّل من شأن الآخرين.
7- لم يصف الشاعر الحرب وإنما وصف آثارها. ادرس العناصر الوصفية وبين قيمتها في تنمية النفس الحماسي.
العناصر الوصفية في تصوير آثار الحرب
- الخراب والدمار:
- “كان الخراب لها أعدى من الجرب”
- “ضوء من النار والظلماء عاكفة”
- “وظلمة من دخان في ضحى شحب”
- التحوّل الكوني:
- “فالشمس طالعة من ذا وقد أفلتت”
- “والشمس واجبة من ذا ولم تجب”
- الدماء والبطولة:
- “قاني الذوائب من أني دم سرب”
- “بسنة السيف والحناء من دمه”
- الذل والمهانة للعدو:
- “لقد تركت أمير المؤمنين بها للنار، يومًا ذليل الصخر والخشب”
القيمة الحماسية لهذه العناصر
- الإثارة الشعورية: الصور الحسية المكثفة تُثير مشاعر الفخر والانتصار، وتُشعل الحماسة دون الحاجة إلى سرد المعركة.
- التضخيم الرمزي: وصف الشمس والدخان والخراب يُضفي على الحدث طابعًا كونيًا، وكأن الفتح غيّر نظام العالم.
- التركيز على النتيجة لا الوسيلة: هذا يُعزز فكرة أن النصر هو ما يهم، لا تفاصيل القتال، مما يُوجّه النفس نحو الإنجاز لا التفاصيل.
- التحفيز النفسي: تصوير الذل الذي لحق بالعدو يُحفّز المتلقي على الاعتزاز بالقوة الإسلامية، ويُنمّي روح الانتصار.
8- استخلص من النص معاني البطولة الحربية ومميزات البطل.
معاني البطولة الحربية في النص:
- الرد بالفعل لا بالقول: البطولة الحقيقية تتجلى في الفعل الحاسم، لا في التنجيم أو التنظير.
- نصرة المظلوم واستجابة الاستغاثة: المعتصم لبّى نداء امرأة مسلمة، فجعل من الحرب واجبًا أخلاقيًا.
- تحقيق النصر رغم صعوبة الهدف: فتح عمورية، المدينة التي استعصت على الملوك، يُجسّد البطولة الخارقة.
- الفتح بوصفه فعلًا إلهيًا: البطولة مرتبطة بالقدر والتدبير الإلهي، لا بالصدفة أو الحظ.
️ مميزات البطل كما رسمها الشاعر:
- الحسم والشجاعة: لا يتردد، يرد بالسيف لا بالكلام.
- الالتزام الديني: يتحرك باسم العقيدة، لا باسم المجد الشخصي.
- الاستثنائية التاريخية: يحقق ما عجز عنه الملوك، ويكسر حصونًا لم تُفتح من قبل.
- الرمزية الكونية: فعله يُغيّر مجرى التاريخ، ويُحدث تحولًا في الكون نفسه (الشمس، الظلمة، الدخان).
النقاش
– كيف صير الشاعر الواقعة التاريخية وهي فتح عمورية حدثا شعريا ؟ وإلى أي حد تراه وفق في ذلك ؟ استعن في ذلك بالمعلومات التاريخية الواردة في القصيدة وبما تعرف عنها في كتب تاريخ الأدب.
كيف صاغ الشاعر الحدث شعريًا؟
1. التحوّل من التاريخ إلى الرمز
- لم يكتفِ بوصف المعركة، بل جعل عمورية رمزًا للشرك، والمعتصم رمزًا للعدل الإلهي.
- المدينة تُشبَّه بالبكر التي استعصت على الملوك، مما يُضفي على الفتح طابعًا أسطوريًا.
2. توظيف الحقول المعجمية
- استخدم حقل التنجيم ليُدين التخاذل، وحقل الحرب ليُجسّد البطولة، وحقل العقيدة ليُضفي شرعية دينية.
- هذا التداخل يُحوّل الحدث إلى خطاب فكري وشعري متكامل.
3. الصور الكونية
- وصف الشمس والدخان والظلمة في وضح النهار يُضفي على الفتح طابعًا كونيًا، وكأن العالم نفسه تغيّر.
- مثال: “فالشمس طالعة من ذا وقد أفلتت”
4. الأسلوب الحماسي والبلاغي
- اعتمد على الإيقاع القوي (بحر البسيط)، والمفارقات البلاغية، والتقابل الدلالي، مما يُشعل الحماسة ويُرسّخ المعاني.
إلى أي حد وُفّق في ذلك؟
وفق أبو تمام إلى حدٍّ بعيد، بل يُعدّ هذا النص نموذجًا لتحويل الحدث السياسي إلى نص شعري خالد. وقد أثار إعجاب النقاد والمؤرخين، رغم أن بعضهم (مثل ابن قتيبة) انتقد غموضه أو ميله للبديع، إلا أن معظم دارسي الأدب يرونه قد جسّد الشعر الحماسي في أرقى صوره.
في كتب تاريخ الأدب، تُعدّ هذه القصيدة من أعظم ما قيل في الشعر العباسي، لأنها:
- جمعت بين الفكر والفن
- قدّمت نموذجًا للبطولة الإسلامية
- وخلّدت حدثًا تاريخيًا بأسلوب شعري لا يُنسى
– تهكم الشاعر من المنجمين ومن علمهم وقولهم بالفأل. غير أنه أعرب عن إيمانه بالفأل في البيت الذي يقول
فيه : جرى لها الفَالُ برحاً يَومَ أَنقَرَةِ *** إذ غودرت وحشة الساحات والرحب
هل ترى في ذلك تناقضا ؟ علل جوابك.
لا، لا يُعدّ ذلك تناقضًا حقيقيًا، بل هو تمييز دقيق بين نوعين من الفأل، يُعبّر عن وعي شعري وفكري لدى أبي تمام.
التفسير:
- التهكم من الفأل المنجمي: أبو تمام يسخر من الفأل القائم على التنجيم والتأويلات الفلكية، الذي يُستخدم لتبرير التخاذل أو تأجيل الفعل.
- الإيمان بالفأل الواقعي: في بيت “جرى لها الفال برحًا يوم أنقرة”، لا يتحدث عن تنجيم، بل عن علامة واقعية مبشّرة بالنصر، أي أن الفأل هنا نتيجة فعل حقيقي (تحرّك الجيش، زوال الوحشة)، وليس تنبؤًا نظريًا.
العلّة البلاغية:
أبو تمام يُفرّق بين:
- الفأل الوهمي: الذي يُبنى على النجوم والكلام.
- الفأل الفعلي: الذي يُستنبط من الواقع، ويُبشّر بنتيجة ملموسة.
بهذا، لا يقع الشاعر في تناقض، بل يُقدّم موقفًا نقديًا من التنجيم، ويُؤمن بالفأل حين يكون علامة واقعية على تحقق النصر.
بمناسبة هذا النص
الكتابة
حرر فقرة من خمسة عشر سطرا على الأقل تفكك فيها الصور الشعرية الواردة في الأبيات 19 -20 – و 21-22 وتبين كيفية توظيف الشاعر اللون والحركة والزمن في وصف نتائج المعركة.
في الأبيات 19 إلى 22 من قصيدة “فتح الفتوح”، يرسم أبو تمام مشهدًا شعريًا بالغ الكثافة، يُجسّد فيه نتائج المعركة لا من خلال سرد الوقائع، بل عبر صور شعرية تتداخل فيها الألوان والحركة والزمن لتُحدث أثرًا نفسيًا عميقًا في المتلقي. يبدأ بوصف المدينة بعد الفتح، فيقول: “لقد تركت أمير المؤمنين بها للنار يومًا ذليل الصخر والخشب”، حيث تتحول المدينة إلى كيان خاضع للنار، ويُذل فيها الحجر والخشب، في صورة تُجسّد الخراب الكامل. اللون هنا حاضر بقوة: النار ترمز إلى الدمار، والظلمة التي تليها تُعبّر عن اختناق المدينة بالدخان، كما في قوله: “ضوء من النار والظلماء عاكفةٌ، وظلمةٌ من دخانٍ في ضُحى شحبِ”، حيث يتقاطع الضوء والظلمة في مشهد بصري متناقض، يُظهر أن حتى النهار قد شُوّه بفعل الحرب.
أما الحركة، فتتجلّى في فعل التحوّل الكوني: الشمس التي “طالعة من ذا وقد أفلتت”، والظلمة التي “عاكفة”، والدخان الذي “يسرب”، كلها أفعال تُظهر أن المعركة لم تغيّر المدينة فقط، بل قلبت نظام الطبيعة. الزمن أيضًا يُوظّف بشكل دقيق، فالشاعر يختار الضحى، وقت النور والصفاء، ليُظهر كيف غيّر الدخان ملامحه، فيصبح “شحبًا”، أي باهتًا، مما يُضفي على النصر طابعًا مأساويًا عميقًا، ويُبرز حجم التضحيات.
بهذا التوظيف الفني، لا يصف أبو تمام المعركة مباشرة، بل يُجسّد آثارها عبر صور حسية ورمزية، تجعل من الفتح حدثًا كونيًا، وتُنمّي النفس الحماسي لدى المتلقي، إذ يرى أن النصر لم يكن مجرد اقتحام، بل زلزالًا غيّر وجه المدينة والعالم. الصور الشعرية هنا لا تُسرد، بل تُحسّ، وتُبنى على تفاعل اللون والحركة والزمن، في مشهد شعري يُخلّد لحظة الانتصار ويُضفي عليها طابعًا أسطوريًا.
البحث
– استخرج من النص بمفردك أو مع فريقك المعلومات التاريخية التي تراها متصلة بفن الحماسة ثم قم بعقد مقارنة بينها وبين ما ورد في كتب تاريخ الأدب. ماذا تلاحظ ؟
المعلومات التاريخية المستخرجة من النص:
- الحدث المركزي: فتح عمورية، وهي مدينة بيزنطية حصينة لم تُفتح من قبل.
- السبب المباشر للفتح: استغاثة امرأة مسلمة، مما دفع المعتصم إلى التحرك العسكري.
- قائد الفتح: المعتصم بالله، وقد وصفه الشاعر بأنه “منتقم لله، مرتقب في الله”.
- نتائج الفتح: سقوط المدينة، إذلال المشركين، رفع راية الإسلام، وتحقيق نصر رمزي كبير.
- الزمن والموقع: يوم أنقرة، في وضح النهار، حيث اختلط الدخان بالضوء، وتحوّل النهار إلى شحب.
المقارنة مع كتب تاريخ الأدب:
في كتب تاريخ الأدب العربي، مثل “تاريخ الأدب العربي” لحنّا الفاخوري أو “الوسيط في الأدب العربي” لعمر فروخ، يُصنّف هذا النص ضمن الشعر الحماسي العباسي، ويُعدّ نموذجًا فريدًا لأنه:
- لا يكتفي بسرد الحدث، بل يُحوّله إلى نص رمزي ملحمي.
- يُبرز البطولة بوصفها فعلًا أخلاقيًا ودينيًا، لا مجرد قتال.
- يُوظّف الصور الشعرية والبلاغة لتكثيف المعنى، مثل تشبيه المدينة بالبكر، واستخدام الحقول المعجمية المتعددة.
- يُقدّم المعتصم كقائد استثنائي، في مقابل ملوك عاجزين، مما يُجسّد روح الحماسة والانتصار.
الملاحظة الجوهرية:
نلاحظ أن أبا تمام لم يكتب شعرًا تسجيليًا، بل حوّل الواقعة التاريخية إلى خطاب شعري فكري، يُجسّد فن الحماسة في أرقى صوره، ويُعيد تعريف البطولة من منظور ديني وأخلاقي وفلسفي. بينما تكتفي كتب التاريخ بسرد الوقائع، يُعيد النص الشعري تشكيلها لتُصبح جزءًا من الوجدان والرمز الحضاري.
البلاغة
الجناس، عند البلاغيين قسمان كبيران : الجناس الناقص والجناس التام والجناس التام هو ما
اتفق ركناه في الأصوات وأنواعها وعددها وترتيبها وحركاتها وهو أنواع من بينها المقلوب. ومن أمثلة الجناس المقلوب (الصفائح / الصحائف) في قول أبي تمام :
بيض الصفائح لاسودُ الصَّحَائِفِ في *** مُتونِهِنَّ جَلاءُ الشَّكُ وَالرِّيَبِ
بين قيمة هذا الجناس ودوره في تعميق النغمة الملحمية في البيت وفي سائر المواطن من القصيدة.
الجناس المقلوب في قول أبي تمام: (الصفائح / الصحائف) يُعد من أبلغ صور الجناس التام، إذ يتفق اللفظان في الحروف وعددها وترتيبها، لكن يُقلب أحدهما عن الآخر في المعنى، مما يُضفي على البيت قوة إيقاعية ودلالية تُعزز النغمة الملحمية.
قيمة الجناس المقلوب في البيت:
- بلاغيًا: يُحدث توازنًا صوتيًا يُشدّ انتباه السامع، ويُرسّخ المعنى في الذاكرة.
- دلاليًا: يُقابل بين “بيض الصفائح” (السيوف) و”سود الصحائف” (الكتب)، في مفارقة تُجسّد تفوّق الفعل على القول.
- رمزيًا: الصفائح ترمز للقوة والحسم، والصحائف ترمز للتردد والشك، مما يُعمّق البعد الفلسفي في البيت.
دوره في تعميق النغمة الملحمية:
- يُضفي على البيت إيقاعًا حماسيًا يُناسب جو المعركة والانتصار.
- يُجسّد المواجهة بين السيف والكلمة، بين الواقع والنظرية، مما يُعزز الطابع البطولي للنص.
- يُكرّس فكرة أن النصر لا يُكتب في الصحائف، بل يُصنع بالصفائح، أي بالسيوف.
بهذا الجناس، لا يكتفي أبو تمام بالتزيين اللفظي، بل يُوظّف البلاغة لخدمة المعنى، ويُحوّل البيت إلى شعار ملحمي يُجسّد فلسفة النصر في القصيدة كلها.
التحليل
1- يمجد أبو تمام فضل القوة مقابل الاستخفاف بالتنجيم
عول أبو تمام في المقطع الأول من قصيدته على قالب الجملة الإسمية المحيلة
على الثبات وهو ما يعني أنه يجري تقرير حقائق مطلقة عابرة لقيود الزمان
والمكان وهي حقائق تتصل بتقديم الفعل الحربي مجسما في السيف
ومترادفاته (الصفائح، الأرماح، الحد، الخميسين) على فعل التنجيم
وهذا ماعبرت عنه صيغة التفضيل في البيت الاول: إذ فضل الشاعر السيف
الرامز إلى القوة والفعل والبطولة والإقدام على الكتب وعدم فاعليتها في دفع
الظلم والقهرعنهم وهذا ما جسمته “ثنائية الإثبات والنفي” يثبت الشاعر الفضل
للصفائح والرماح والسفائح والسيوف وينفيه عن الصحائف والكتب وشبه
المنجمين: ففي العلاء من شأن القوة الحربية والتحقير من شأن التنجيم سعيا
إلى تعظيم الممدوح والحط من شأن المنجمين
استمد أبو تمام معظم مفرداته في المقطع الأول من معجمين متعارضين
المعجم الأول:
معجم القوة: السيف- الحد الرماح)· المعجم الثاني: التنجيم
الصحائف الكتب.إن المقابلة بين مسلك القوة ومسلك التنجيم مقابلة عبر عنها
بأكثر من صيغة لعل الطباق بين البياض والسواد إحداهما ذلك أن البياض
مقترنا بالسيوف هو قرين الحياة والطهارة في حين أن السواد المضاف إلى
الصحائف هو رديف الموت والعجز
التزم أبو تمام بتحقيق إيقاعية كلامه وتقوية نغمية من ذلك أنه صرع البيت
المطلع مثلما أفرط في في توظيف أصوات شديدة مجهورة كالدال والباء
الأكثر تواترا من بين سائر الأصوات وهذا الاعتماد من شأنه أن يضفي على
الإيقاع الشعري صلابة وشدة وقوة هي من صلابة فعل المعتصم الحربي
وشدته وقوته وجبروته في مواجهة الأعداء
يبدو الإيقاع الخارجي الإطاري الذي ارتضاه أبو تمام إيقاعا معللا ومبررا
لتناغمه وانسجامه مع مضمونها وهو مضمون ذو نفس
حماسي ملحمي ذلك أن انتهاء الأبيات بصوت الباء رويا يردد سمات القوة
والصلابة والشدة والعنف باعتبار أن صوت الباء إنما هو صوت شفوي
شديد مجهور وينضاف إلى ذلك البنية المقطعية للبحر المعتمد المتمثل في
البسيط التام بنية تغلب عليها المقاطع الطويلة المنغلقة بما
هي مقاطع واسمة للكلام بمياسم الغلظة والشدة والعنف والقوة
يكف الإيقاع الخارجي المرتضى للقصيدة عن كونه اعتباطيا مفصولا عن
المعنى ومعزولا عن النفس الشعري الطاغي ليستحيل إيقاعا مبررا يحاكي
المعنى ويوحي بالدلالة الإيقاع في الشعر الحماسي إيقاع
ينزع في الغالب إلى أن يكون إيقاعا موسوما بالغلظة والصلابة والشدة ذلك
أن غلظته من غلظة الحرب الموصوفة وشدته من شدة فعل الممدوح الحربي:
أما الإيقاع الداخلي فقد تنوعت أساليبه وتعددت مما يدل على نزعة أبي تمام
إلى تطويعه ليكون منسجما مع معاني الحماسة وما تقتضيه من قوة وشدة
وبطولة وعنف وصلابة وبأس لذلك ذهب ولاسيما في البيت المطلع إلى
ترديد الأصوات المتصفة بالجهرية والشدة كالباء والدال وكذا الشأن بالنسبة
إلى المقاطع الأكثر تواترا في نسيج الكلام إذ وهي المقاطع الطويلة المنغلقة
تتواتر الأصوات في المقاطع الأكثر ترددا أو تكرارا بمعاني القوة والشدة وهي
المعاني التي لا يخرج عنها شعر الحماسة باعتباره شعرا مداره على وصف
المعارك والحروب والإشادة ببطولة أبطالها غير أن أبي تمام لم يكتفي بهذين
الإيقاعيين بل عمد إلى إغناء بنية الإيقاع الداخلي بما وجده في البديع اللفظي
من أدوات أسلوبية تعمق نغمية الكلام وتشده دوما إلى الوراء ليصبح شغوفا
بإعادة ذاته وقد نوع في جناسه إذ اعتمد الجناس التام : الحد: طرف السف
الحد: الفاصل والجناس الناقص : الحد والجد كما نوع من الجناس الناقص
فوظف الجناس المقلوب: الصفائح // الصحائف واستخدم جناس الاشتقاق
:فتح الفتوح _ وقد عاضد الجناس في أداء الد, الإيقاعي موسيقى التكرار
بإعادة لفظة (فتح) لقد بالغ أبو تمام وهو يبحث عن جودة منجزه في استدعاء
الأساليب اللغوية بصفة عامة وأساليب الابداعية بصفة خاصة ما يثبت ميله إلى
صناعة الشعر وتكلف فن كتابته غير أن تلك النزعة إلى الصناعة قد أكسبت
شعره طاقة إيقاعية عالية تناغمت مع النفس الحماسي الذي أكسبه الشاعر شعره
غير أن تمكن الصنعة من شعر أبي تمام كان مثار جدل بين النقاد القدامى
الذين عابوا عليه الإفراط في طلب الأساليب الأمر الذي خرج بالشعر من
دائرة الطبع والعفوية إلى دائرة الصنعة والتكلف
إن ما دفع القدامى إلى الارتياب في شعر أبي تمام هو عدم استجابته إلى
توقعاتهم فضلا عن خروجه عن ذوائقهم الجمالية المشدودة إلى الشعر
المطبوع الذي لا تغلب عليه سمات الصنعة والتكلف وقد عبر ابن الجراح
عن ريبته في شعر أبي تمام .. إن أبا تمام يريد الابداع فيخرج إلى المحال
إن ما دفع ابن الجراح إلى الريبة في شعر أبي تمام ليس استخدامه أساليب
البديع بل افراطه في استعمالها والخروج بها عن حدها المعقول
خرج أبو تمام من طلب أساليب البديع في الأبيات الأربعة الأولى إلى طلب
التخييل المجازي المنجز بالاستعارة إذ استعار للسماء صورة الدار فأضاف
إليها أبوابا وقد غيب الدار وصرح بالسماء لتكون بذلك الاستعارة مكنية كما
علق بالأرض أثوابا قشبا والحال أن الأثواب من لوازم المرأة لذلك استعار
صورتها للأرض لتكون الاستعارة مكنية- أظهرت الاستعارة التحول الذي
طرأ على السماء والأرض بفعل إقدام المعتصم على مواجهة الروم وفتح
عمورية ثأرا للمسلمين من ثمة كانت السماء قبل الفتح مغلقة متأثرة بما لحق
الأمم الإسلامية من ذل وهوان في حين استحالت بعده مفتوحة على منجز
المعتصم الحربي وكذا الأمر بالنسبة إلى الأرض التي كانت قبل الواقعة
خانعة منكسرة لكنها سرعان ما استعادت بريقها وحسنها وجمالها بعد الفتح
بفضل الاستعارة استطاع “أبو تمام” أن يظهر أثر فعل الممدوح الحربي في
الكون إذ تحول من حال السوء والانكسار والفساد واختلال التوازن – انغلاق
السماوات – انكسار الأرض وتلوثها إلى حال الخير والبهجة والزينة
والتوازن حتى أن السماوات قد عبرت من الانغلاق إلى الانفتاح مثلما
استعادت الأرض زينتها وحسنها وبهاءها المفقود : : يخرج أبو تمام
المعتصم مخرج البطل الأسطوري الذي استطاع أن يعيد إلى الكون توازنه
المفقود وبهاءه المسلوب وبذلك وجد الشاعر في الاستعارة سبيلا إلى المبالغة
في تعظيم أثر فعل الممدوح على الكون
2- مناداة الشاعر يوم عمورية على المجاز مظهرا تفرد المعتصم بفتح عمورية
انصرف أبو تمام في المقطع الثاني إلى مخاطبة الزمان … يوم وقعة
عمورية المتمثل تحديدا في يوم المعركة على سبيل المعركة والمجاز ذلك أن
الزمان لا ينادى على الحقيقة ومن ثمة عدل به عن معناه الحقيقي بوصفه
مفهوما ذهنيا مجردا إلى معنى له مجازي أصبح في ضوئه كائنا انسانيا
يرهف السمع إلى نداءات الشاعر إلا أن النداء لم يدل على معناه الحقيقي
المتمثل أساسا في التنبيه ولفت النظربمعانب التمجيد والمدح والثناء جعل أبو
تمام يوم الواقعة زمانا نموذجيا مثاليا لأنه الزمان الذي استعاد فيه المسلمون
كرامتهم الضائعة: الاستعارة الثالثة المبنية على الاستعارة الثانية تأسست
على استعارة صورة الناقة التي وصفها بصفة الحافل ** أردف أبو تمام
الاستعارة الثالثة بملائم من ملائمات المشبه به ( الناقة ) معسولة الحلبأفرط
أبو تمام كعادته في استخدام الأدوات الأسلوبية فهو ما إن يستدعي ظاهرة
حتى يفنيها استخداما وتوظيفا وتطويعا فإذا به يصوغ سلسلة من الاستعارات
المرتبة التي يأخذ بعضها برقاب بعض وهو ما من شأنه أن يغمض المعنى
عن القارىء ذلك أن الأستعارة عنده تبدو أخذة في التخلي عن وظائفها
البيانية التقليدية المتمثلة في تقريب المعنى والإبانة عنه بإخراجه من
الغموض إلى الوضوح. وهذا راجع إلى الخروج عن شرط التناسب بين
طرفي الصورة وهو الشرط الذي اشترطه النقاد القدامى وتمسكوا به فلا
تناسب بين الزمان والإنسان اما في الاستعارتين الثانية والثالثة وهو ما يدل
على تعمد أبي تمام الاستخفاف بذلك القيد البياني التقليدي والعمل على الجمع
داخل صوره الشعرية بين أطراف متنافرة غير أن أبا تمام وإن خرج عن
الوظيفة التقليدية للصورة فإنه لم يخرج في مصادرها عن مرجعية تقليدية
ذلك أن النوق وصفاتها من العناصر القارة في الشعر القديم منذ الجاهليةأمكن
لأبي تمام بفضل المقابلة أن يجعل من معركة المعتصم معركة ملحمية تجمع
بين حضارتين هي “حضارة الإسلام” و”حضارة الشرك” وبذلك لم تعد معركة
المعتصم “معركة دنيوية” بل استحالت معركة يخوضها “الإسلام” ضد أعدائه “المشركين” وعلى هذا النحو يسمو أبو تمام بهذه الحرب إلى مصاف
“الحروب الجهادية المقدسة” وبالمقابل أيضا لكل المشركين بأن نزله في
منحدرات الأرض وأسافلها في مقابل ذلك ارتقى بالمسلمين إلى مرتفعات الأرض وأعاليها
لقد جعل أبو تمام يوم الواقعة يوما أسطوريا تاريخيا خرج فيه المسلمون من
الأسافل إلى الأعالي في حين انحط المشركون من الأعالي إلى الأسافل وبهذا
النحو تبدو “معركة المعتصم” ضد المشركين معركة ثأر ورد اعتبار إذ بها
تخلص المسلمون من عارهم وذلهم مستعيدين سموهم ورفعتهم- استطرد أبو
تمام إلى وصف “عمورية” مدينة المشركين مستخدما معجما غزليا وبذلك
يقصد إلى استنبات معجما غزليا موسوما في العادة باللين والرقة والتلطف
والاستلطاف في سياق شعري مشبع بنفس حماسي قوي سماته القوة
والصلابة والقوة .. إن ما يصدم القارئ عدم التناسب بين ما يقتضيه حقل
الغزل من جهة وما يستدعيه حقل الحماسة من جهة ثانية
شعر أبي تمام يتطاول على الذائقة الجمالية المستقرة ويستفزها.- لقد أتاح
المعجم الغزلي لأبي تمام أن يستعير لمدينة المشركين عمورية صورة المرأة
البكر المتمنعة الصدة والمراوغة الممتنعة
اعتمد أبو تمام التاريخ مصدرا استمد منه أسماء أعلام لملوك وقواد جيش
تناوبوا على مدينة عمورية لكنهم فشلوا في اختراقها وفتحها …أبو كرب – كسرى – اسكندر
إن الصورة التي رسمها أبو تمام لعمورية قبل فتحها صورة طريفة من جهة
أولهما جهة تركيب الصورة بالجمع بين طرفين متنافرين غير متجانسين بما
أن المدينة لا تعدو أن تكون جهادا في الواقع لا حياة فيه في حين أن المرأة
كائن إنساني يضج بالمشاعر والأحاسيس والانفعالات .. عمد أبو تمام وهو
يركب صورته إلى كسر شروط المناسبة بين طرفيها المستعار له “المدينة”
المستعار منه “المرأة” فهذه الصورة تخرج عن حيادها وجمودها لتصبح كائنا
حي مفعم بالأحاسيس والردود والأفعال ** بفضل هذه الصورة الفنية تمردت
المدينة عن هويتها الأصلية وانتزعت لنفسها “هوية المرأة” أم جهة الطرافة
الثانية فتتجلى في النزوع إلى توسيع الصورة بالتنويع في المستعارات منها
فإذا بها صورة موسعة تندرج داخلها صور فرعية عدة “صورة المرأة البكر” “صورة المراة المتمنعة” وبذلك صارت الصور مرتبة لبعضها البعض
على بعضها فالصورة الأولى تكون منطلقا لصورة الثانية والصورة الثانية
تكون معبرا لصورة ثالثة.- إن بناء الصورة على هذا النحو محكوم بسمات
الصنعة والتصنع والتكلف والمبالغة وهو سمات ثابتة في أشعار أبي تمام لا
يخلو منها إجراء أي إجراء إنشائي آخر. غير أن أبا تمام لم يبتدع مرجعية
صورته بقدرما كان عالة عالة على مرجعية تقليدية مستقرة هي الصورة
المرسومة عن “المرأة في الغزل القديم” إن ما يجري إليه أبو تمام في هذه
الصورة المرسومة إظهارها بمظهر “المدينة المتمنعة الأبية المستعصية” على
الفاتحين تمهيدا لتعظيم فعل المعتصموقد قدر على اقتحامها : إنه البطل
الأوحد الذي فاق أسلافه القدامى (كسرى _ أبو كرب _ اسكندر) قوة وبأسا
وعظمة غير أن فتح عمورية أخرج مخرج الفتح الإلهي (الفعل كان قدرا
إلهيا).- أخرج فتح عمورية على يدي المعتصم وجيشه مخرج المصيبة
والمحنة ومخرج الخلاص والانفراج: فالحدث واحد لكن أثره على طرفي
الصراع غير متجانس فهو محنة بالنسبة إلى المشركين وقد عد الحدث كربة
موصوفة بالسوادوالحداد والإرباك والحيرة وهو على العكس من ذلك
خلاص للمسلمين وانفراجلأزمته لذلك وصف بمركب إضافي “المضاف
والمضاف فيه” صيغة مبالغة تدل على تضخم الإحساس بالفرج والخلاص
لدى المسلمين .. اقترن استدعاء “مدينة عمورية” زمن المعركة بمعجم مداره
على الخراب والدمار.. تحولت مدينة عمورية من حال التمنع والقوة والإباء
والصمود إلى حال والتهاوي والسقوط .. إن انقلاب المدينة من صورة
المدينة الشامخة إلى صورة المدينة الهالكة دليل على عظمة المعتصم وحسن
بلائه الحربي .. فالبطل في الشعر الحماسي مثال نموذجي في الكمال
والبطولة والبأس والقوة .. إن هذه الصورة المرسومة عن المعتصم صورة
قائمة على المبالغة والعلو ما يشي بميل أبي تمام إلى الإشادة بالمعتصم
والخروج به عن هويته ليصبح كائناأسطوريا يعيد إلى الأمة الإسلامية كرامتها وقيمها المسلوبة
يظهر أبو تمام ككل شاعر ينزع منزعا حماسيا بصورتين
متضافرتين:بصورة “الشاعر المحارب” بالقصيدة يجعل من شعره مساندة
للمعتصم في معركته ضد المشركين وثناء على بطولته من جهة وبصورة
الشاعر الذي يناضل في القصيدة وهو يعمل على تجويد صناعتها- نزع أبو
تمام إلى استخدام السرد المفتوح على الوصف وما تدل عليه الجمل الفعلية
من إحالة على التحول وعلى التبدل والصيرورة وهو سرد يحيل إلى الخطية
والتتابع والانفتاح على التزامن بين حدث ثانوي رؤية عمورية لمظاهر خرابوحدث رئيسي .. إصابة عمورية بالخراب .. يظهر أبو تمام في هذه
المدحية الحربية شاعرا يحكي بشعره تفاصيل واقعة تاريخية معتمدا السرد
والوصف- رهان القصيدة الحماسية التعلق بالواقعة الحربية بحكاية أطوارها ووصف أبطالها
شعر الحماسة تخليد لوقائع العرب العسكرية وإشادة بأبطالها .- يمثل السرد
أسلوبا قارا من الأساليب البانية لشعر الحماسة لكونها شعرا يطمح إلى حكاية
المعارك الحربية والإعلاء من شأن أبطالها
لقد طغى النفس الحماسي على القصيدة ما دفع الشاعر إلى أن يستطرد
استطرادا مطولا إلى وصفجزئيات الحرب وحكاية أطوارها وضبط آثاره
على الأعداء والمسلمين وبفعل هيمنة “النفس الحماسي” على “القصيدة”
اختزلت معاني “المدح” في “المعنى الحربي” غير أن “الوصف الحماسي” لم
يكن وصفا أمينا للواقعة في صورتها المرجعية بل هو وصف مشدود إلى
المبالغة والإفراط والغلو وهو ما دلت عليه قرائن لغوية محددة ك”كم” التي
تفيد التكثير في الإشارة إلى عددالقتلى من “أبطال العدو” وفرسانه أو صيغة
المبالغة أو “أسلوب استعارة” التي أخرجت به مدينة عمورية بمخرج
الإنسان الذي أصابه الجرب فلم يبق عضو بمنأى عن شره وبذلك فإن
الخراب الذي أصاب عمورية كان خرابا عاما لم يسلم منه مكان من أمكنتها
فالوصف الحماسي، إذن محكومبالتهويل
3- مناداة أبي تمام الخليفة العباسي المعتصم مظهرا حسن ادائه العسكري بتتبع آثاره في مدينة عمورية
يعمد أبو تمام في المقطع 3 إلى استحضار الممدوح بضمير أنت وعمل النداء _ أمير المؤمنين
التبس عمل النداء بمعاني التعظيم والمدح والتمجيد.- لقد اقترن استحضار
الممدوح بتواتر مفردات متضادة تنتمي إلى معجمين متقابلين أحدهما “معجم
الضوء” وثانيهما “معجم الظلام” وقد تعاضدا مع إجراء اسلوب الطباق
بوصفه محسنا بديعيا معنويا ( الضوء – الظلماء- النار- الظلم- واجبة – لم
تجب) : إن الإتيان بأمثلة كثيرة من الطباق في سياق شعري موجز يدل على
تمكن مبدإ الصنعة من شعر أبي تمام فلكأن الشاعر لا يجد سوى الصنعة
سبيلا إلى إثبات شعريته وقدرته على الإبداع وتوليد المحدث الجديد.
لقد عول أبو تمام على الطباقات ليرسم مشهدا أسطوريامفارقا لمنطق الأشياء
والكون وهو مشهد تتجاور فيه الأضداد ( الدجى// الشمس// النار// الظلماء )
ويظهر فيه الشيء مؤسسا للفعل وضده في اللحظة نفسها ( الشمس تغيب ولا
تغيب في اللحظة نفسها) .. استمد أبو تمام هذه الصورة القيمية لمدينة عمورية
من النص القرآني إذ استوحى معالمها مما توع به الله الكافرين من مظاهر
الهلع والفزع يوم القيامة غير أن هذه الصورة المرسومة لا تتطابق مع مدينة
صورة عمورية في الواقع بل هي صورة خيالية من صنع الشاعر تضافرت
في بنائها الاستعارات والطباقات والصفات
إن الواقعة في “الشعر الحماسي” المتفرد تكف عن الظهور بمظهرها الحقيقي
في النص لتظهر بمظهر شعري خارق للمألوف.- إن البطل الموصوف في
القصيدة بطل نموذجي أسطوري خارق للمألوف باستطاعته إغراق مدينة
الأعداء في مشهد جهنميمن جهة ولقدرته على التأثير في منطق الأشياء في
الكون.- يسمو “الشعر الحماسي” بالبطل إلى مصاف الذوات “الأسطورية”
النموذجيةاتخذ أبو تمام من صناعة الإيقاع معبرا إلى تكثيف النفس الحماسي
وتقويته متوسلا إلى ذلك جملة من المولدات الإيقاعية كالتوازي التركيبي بين
وحدات موقعة ثلاث ((بالله منتقم لله مرتقب في الله مرتغب)) : باستخدام
التوازي التركيبي أحدث توازيا أفقيا وتقفية داخلية (معتصم // منتقم //
مرتقب // مرتغب) وإجراء صيغ صرفية متماثلة هي صيغة اسم الفاعل
فضلا عن تكرار نفس الكلمة في ثلاثة مواضع ( كلمة الله ) ويضاف إلى
ذلك تكرار أصوات تشترك في الدلالة على الشدة والقوة والصلابة كالميم والباء
إن هذا المثال تتجلى فيه صنعة الشعر في أجلى مظاهرها وقد تضافر فيه
الإيقاع والمعنى ولئن أومأ إلى القوة والصلابة والشدة فلقد انحصرت الدلالة
في إظهار المعتصم بمظهر “البطل الحكيم” الحريص على التقوى ( في الله
مرتغب ) … يلتفت أبو تمام إلى المعتصم ليحكي صفاته ( منتقم مرتغب )
ورواية أعماله “هرقت أجبت” … تتضافر أفعال المعتصم وأحواله في
الإعلاء من شأنه وإخراجه مخرج البطل النموذج الذي يخلص رعيته من
أخطار الأعداء ويضحي بالمتع الدنيوية (الكرى رضاب النسوة) في سبيل
حفظ كرامة الأمة الاسلامية وصيانة قيمها
إن البطل في هذه القصيدة بطل أسطوري يتصف بصفات خارقة ويأتي
بأعمال مذهلة وهو بهذه الصورة النموذجالذي يجسم قيم العروبة الأصيلة
إن ما تجري إليه القصيدة الحماسية وهي تحكي الواقعة حكاية شعرية هو
تخليد ثرموز الأمة الاسلامية” والإعلاء من شأنها باعتبارها رموزا
استطاعت أن ترد الاعتبار إلى المسلمين وقدرت على ضمان استمرار
المجموعة واستقرارها فلو لم يتصد المعتصم لملك الروم بيوتفيل لكان من
الممكن أن تندثر الأمة وتتلاشى قيمها ومثلها
إن ما دفع أبا تمام إلى تطويع شعره لحكاية الواقعة هو تطلعه إلى الثناء على
البطل من أجل تخليد “قيم البطولة” والإباء و”المروءة” والشجاعة التي اختزلها
في أفعاله وأحواله .. لشعر الحماسة وظيفة مزدوجة ذات وجهين :
دعم الإنجاز الحربي ومناصرة بطلها وتقوية جيشه ((الوظيفة الاستنهاضيةفهو الارتقاء بالواقعة التاريخية إلى دائرة الشعر بإخراجها
مخرجا فنيا تتكامل في صنعه أدوات الشاعر وفنيات كتابته .. الجناس الطباق
السرد الوصف .. الشعر الحماسي تحكمه معادلة صعبة طرفها الأول الميل
إلى جعله أداة في التحريض ووسيلة للإشادة أما طرفها الثاني فهو الارتقاء
بالواقعة لتصبح شعرية
من هو ابو تمام؟
أبو تمام هو حبيب بن أوس الطائي، أحد أبرز شعراء العصر العباسي، وُلد في جاسم قرب دمشق سنة 188هـ تقريبًا، وتوفي سنة 231هـ. اشتهر بذكائه اللغوي وجرأته الفنية، وكان من روّاد الشعر الحماسي والبلاغة البديعية، حتى عُدّ من مؤسسي مدرسة التجديد في الشعر العربي.
أبرز ملامح شخصيته الشعرية:
- شاعر العقل والرمز: مزج بين الفكرة العميقة والصورة البلاغية، فكان شعره يتطلب تأملًا لفهمه.
- مُجدد في البديع: أكثر من استخدام الجناس، الطباق، والمفارقة، مما أثار إعجاب البعض وانتقاد آخرين.
- شاعر الحماسة: ديوانه “ديوان الحماسة” جمع فيه مختارات من الشعر العربي القديم، ويُعد مرجعًا أدبيًا هامًا.
- صاحب قصيدة “فتح الفتوح“: التي مدح فيها المعتصم بفتح عمورية، وتُعد من أعظم قصائد الحماسة في الأدب العربي.
مكانته في تاريخ الأدب:
- يُقارن غالبًا بـالمتنبي والبحتري، لكنه يُتميّز بعمق الفكرة وتكثيف المعنى.
- أثّر في تطور الشعر العربي من الوصف التقليدي إلى التأمل الرمزي.
- كان شاعرًا رسميًا في بلاط الخلفاء، وكتب في المدح، الرثاء، والفخر، لكنه برع في الحماسة.